اكتسب العيد تسميته لكونه يعود على المسلمين في كل عامٍ بالبهجة والسرور، وقد وهبَ الله تعالى عباده المسلمين عيدين يأتيان بعد عبادتين عظيمتين؛ هما عيد الفطر، الذي يجيء بعد صيام رمضان، وعيد الأضحى الذي يأتي بعد حج  بيت الله الحرام.

يمثل العيد مناسبة طيبة للتوجّه لله تعالى بالشكر والثناء على فضله، وتوفيق العبد على الطاعة، والابتهاج بأداء فريضتين معظّمتين، فضلاً عن كونه مناسبة للاستجمام والراحة من جهد العمل والكدّ في الكسب، لما يغمره من أجواء السعادة والتصافي بين الكبار، والفرحة والحبور في قلوب الصغار، الذين يملأون الأماكن والساحات ضجيجاً ولعِباً ومرحاً وسعادة.

ملامح العيد لدى الأطفال

يترقب الأطفال العيد في شوقٍ له ولهفة ليومه، بالتخطيط لاستقباله والاحتفال به وتجهيز مستلزماته من الألعاب والملابس الجديدة والحلوى، والذهاب بصحبة أحد الوالدين إلى صالون الحلاقة، إلى جانب مساعدة والديهم وإخوتهم في تنظيف المنزل وترتيبه ليكون في أفضل حالٍ يوم العيد.

في الصباح الباكر من اليوم الأول للعيد، يستيقظ الأطفال مبكراً من فرط حماسهم وشوقهم للخروج والاحتفال بالعيد. ويكون أول عملٍ ينشغلون بأدائه هو الذهاب لصلاة العيد من آبائهم، قبل المرور لإلقاء التحية والسلام على الأهل والأصدقاء والجيران، وهي إحدى القيم النبيلة التي يكتسبها هؤلاء الصغار منذ بواكير أعمارهم، بتنشئتهم على حُب الخير والتسامح، ووصل أقاربهم وأرحامهم برفقة أهل بيتهم، أما في عيد الأضحى، فإن الأطفال يشاركون والديهم في توزيع الطعام واللحم على الفقراء والمساكين، مما يُكسبهم روح العطاء منذ الصغر، ويُنمّي لديهم حب الخير ومساعدة الآخرين.

ومن أهم وأبرز ما يحوز على اهتمام الأطفال ويشغل بالهم في العيد هو العيدية التي يمنحهم إياها الأهل والأصدقاء والأقارب لدى زيارتهم، إذ ينفقون هذه العيدية كما يشاءون؛ بين ادّخارها لتكون مصروفاً في أيام الدراسة، أو شراء حلوياتٍ وألعابٍ جميلة وجديدة ومشاركتها مع الأقران والأصحاب، أو التصدّق ببعضٍ منها على الأطفال الفقراء الذين لا يملكون ثمن شراء لعبةٍ أو حلوى، وهي إحدى مظاهر التراحم النبيلة التي يعزّزها العيد في نفوس المسلمين كباراً وصغاراً.

ولعلّ مما يميز العيد ويجعله مناسبة خاصة لدى الأطفال هو جو المرح ومساحة الحرية التي يحظون بها، والهدايا والألعاب والثياب الجديدة التي يحصلون عليها في العيد. وينبغي أن يُعير الأبوان الانتباه إلى أنّ فرحة أطفالهم لا تكمن بالكامل في شراء هذه الملابس أو الألعاب الجديدة بقدر ما تتعلق بلحظات الشراء والجو المُبهج فيها، وإحساس الأطفال بأنهم محور الاهتمام، فعلى الأبوين الحرص على أن يُحظى أطفالهما بهذه المتعة، بإشاعة جوٍ من المرح والبهجة والسرور، وإعطاء الأطفال مساحة ملائمة من الحرية في الاختيار والتعليق و”الشغب”؛ فهذه التفاصيل الصغيرة هي ما يصنع للأطفال فرحة عيدهم ويمنحه الروح والألق.

إنّ السرور الذي يُدخِله العيد في قلوب الكبار، يمنح الأطفال أضعافه، فهؤلاء لهم قلوب كالأوعية الفارغة؛ لم تعرف الهموم، ولم تُثقلها المشاغل، ولم تعبث بها الحياة، لذا فإنّ مفتاح الفرح بالنسبة لهم لُعبةٍ صغيرة وملبسٍ جديد وهدية بسيطة، والعيد لدى قلوبهم البريئة هو قطارٌ ملونٌ محطاته البهجة بلا قيود، والمرح بلا حدود، والانطلاق بلا توقف.

بيد إنّ الجانب المعنوي للعيد هو أمرٌ على الآباء والأمهات ألا يغفلوا عنه، بأن يحرصوا على غرس القيم الفاضلة في أطفالهم وإظهار أنّ للفرحة والسعادة وجهٌ روحيٌّ يتمثل في معاني التواصل ووصل الأرحام وذوي القربى والتراحم والتسامح والتعاطف ومساعدة الفقراء ومشاركتهم فضل الزاد والرزق. إذ أنّ تنمية هذه الجوانب لدى الأطفال منذ الصغر هي أساس التنشئة السليمة والتربية الصحيحة التي سينتج عنها جيلٌ ذو خُلقٍ حسنٍ وسلوكٍ سديد.

والحال كذلك، فما من حزنٍ أثقلُ على القلب من رؤية طفلٍ صغيرٍ محرومٍ أو فقيرٍ أو محتاجٍ أو نازحٍ مع والديه، لا يملك ما يشتري به لعبةً، وليس له من يُهديه عيدية، أو يُحضر له ثياباً جديدة. وهو واقعٌ نشهده اليوم في مجتمعاتنا بكثرة، بسبب الحروب وما يترتب عليها من ويلاتٍ وأهوالٍ ومآسٍ تركت آلاف الأطفال والأيتام مشردين في أصقاع الأرض بلا مأوى، يستقبلون العيد بابتسامة على الوجه ووجعٍ بالقلب وبؤسٍ في الواقع. فلنتذكرهم ونحن نحتفل بالعيد، ولنشاركهم بما يتيسّر لنا من سبل العطاء والمشاركة، لنصوغ لهم في العيد بهجة حُرموا منها، ونمنحهم فرحةً عزّت عليهم، ونغرس في واقعهم المحزن بذرة الأمل بغدٍ أفضل.