وتجدر الإشارة إلى أنّ “غياث” كان مدرساً لأجيال وأجيال من طالبي العلم، حيث أنه سعى إلى غرس مبادئ الحرية والكرامة فيهم، متجاهلاً قمع وظلم النظام، وقد بقي على تلك الحال إلى أن انشق عن النظام والتحق بركب الثورة، فأصيب في أحد المعارك على جبهات القتال، مما أدى إلى بتر يديه الاثنتين.
ونتيجة لهذه الأحداث، تحولّت حياة الأسرة إلى مأساة ومعاناة نفسية ألقت بظلالها على الأسرة عموماً وعلى الأبناء خاصة، وفي هذا السياق، قال الابن الأكبر “جميل” الذي يبلغ 17 عاماً، في وصفه لمعاناة العائلة: “لقد فقدنا الأمل ونحن نشهد حال والدنا يتدهور يوماً بعد يوم بسبب الإصابة، نراه مريضاً وعاجزاً عن تقديم أي شيء لنا، وقد حاصرته الحيرة والتشاؤم، حتى أن أقصى مطالبه أصبحت تقتصر على بعض الملابس أو صحنا من الطعام يجود به علينا أهل الخير”.
في الحقيقة، تحمّلت الزوجة “رئيفة” (أم جميل) أعباء هذه العائلة منذ أن خيّم المرض على معيل الأسرة الوحيد، حيث يقضي “أبو جميل” برفقة ابنه “جميل” أياماً وليالٍ في المستشفيات بحثاً عن وسيلة من شأنها تخفيف حجم الألم الذي يعاني منه جراء الإصابة.
لم يذهب دعاء أسرة “اليتيم” هباءً، وذلك حين سخّرنا الله لخدمتها وجعلنا وسيلة لتغيير حالها نحو الأفضل، وعلى الفور، بدأت المساعي الجادة في مساعدة الأخ “غياث”، حيث طُرحت عليه فكرة بعث مشروع.
وقد كان من سبيل التيسير أن “أم جميل” كانت ماهرة في الخياطة، فتم بعون الله تنفيذ مشروع خياطة بقيمة إجمالية بلغت 1120 دولار، والجدير بالذكر أن أولى خطوات النجاح تمثّلت في مولّد للطاقة الكهربائية لهذا المشروع وهو عبارة على ألواح للطاقة الشمسية.
علاوة على ذلك، وفي ظلّ افتقار المنطقة لمثل هذه المشاريع، وفّر مشروع عائلة “أبو جميل” على السكان عناء مشقّة الذهاب للقرى المجاورة وتفصيل مستلزماتهم من الثياب، وبالتالي تم توصيل جميع التفصيلات من الملابس النسائية للزبائن حسب الطلب، خاصة وأن المجتمع المحلي أصبح يعتمد عليها، من جانب آخر، يتم حاليّا دراسة تفصيل ألبسة الأطفال الداخلية وتسويقها في المحلات.
كان الوضع المعيشي لا يسمح لأسرة “أبو جميل” بشراء كسوة لأبنائهم، باعتبار أنه من الأجدر أن يُدفع ثمن هذه الملابس في سبيل تأمين الغذاء، لذلك كانت جميع ملابس الأطفال التي يتبرع بها الأقارب والجيران قديمة.
وبفضل الله تبدّلت هذه الحال للأحسن والأفضل، فمنذ بداية مشروع “الكسب الطيب” الذي وفّرته مؤسسة الشام الإنسانية بدعم من مؤسسة راف القطرية، أصبح لكل فرد أكثر من طقمين من الملابس، بالإضافة إلى سترة لكل فرد تزامنا مع دخول فصل الشتاء.
من ناحية أخرى، كان من السهل جرد الأثاث المتواجد داخل البيت في سطر واحد، أما الآن ولله الحمد، أصبحت الأسرة تملك أثاثاً منزلياً متكاملاً من مردود وعائدات المشروع التي تقدّر بحوالي 100 دولار شهرياً.
وفي هذا السياق، علّق الأخ “غياث” قائلاً: “أحمد الله وأشكره أن يسّر لنا هذا المشروع وبقي أولادي بجانبي يتطلعون للدراسة والعلم من جديد، فابني “مصطفى” يريد أن يصبح طبيباً ليعالجني ويزرع لي أيادٍ ذكية في المستقبل، فيما تسعى ابنتي “بيان” لأن تصبح معلمة لتواصل مسيرتي في إنشاء جيل من المثقفين بعد فقداني ليديّ اللتين كانتا وسيلتي في الشرح والكتابة”.